الفصل(٦)
{الفصل قبل الأخير}
“ستبقى عيناك تربكني ، مهما اعتدت رؤيتها ”
اليوم ليس كالأمس مُطلقاً ، ف يوم هبة اصبح غير عادياً كالبارحة
ولاكما اعتادت ، ف أصبحت تستيقظ قبل ميعاد عملها بساعتين
تصعد لتعطى الدواء إلى بيجاد وتقوم بحقنه بالإبر المخصصه ل علاجه
وتحضر كمّ سوائل هائل له وصحن من الحساء فقط عليه تسخينه اءا لزم الأمر وشعر بالجوع .
وتهبط لتتهيأ للنزول إلى عملها ، تذهب إلى صيدلية المشفى
تمضى ساعات عملها ،تعود إلى المنزل تحضر طعامها وتتناوله على عجاله
من ثم تصعد لإعطاء بيجاد الجرعة التالية من الدواء ، تستشعر حرارته
سُعاله ،هل سيحتاج إلى انبوب أكسجينى أم لا
تتبع حالته أول ب أول ، يتناول طعامه …تساعده فى تنظيف ملابسه وتعقيمها عن طريق غسيلها لهم والكى
والغلى بالماء .
ومن ثم تهبط ل تتحضر لعملها الآخر ، وتذهب للصيدلية إلى حيث ساعات العمل المُصرح بها من قبل الدولة بسبب الحظر .
ثم تعود وتكرر نفس خطوات ماسبق وتهبط بعدما تطمئن لحالته ..
ظلت على هذا المنوال لمدة 15 يوم دون تعب أو كلل أو ملل
وفى ذات مرة
_دكتورة هبة
كانت تحضر الإبرة كى تحقنه بها ،ف إجابت نداءه وقالت
_نعم
_إنتِ ليه بتعملى كل دا ؟
توقفت هبة وتلعثمت ،فلم تجد اجابة ممكنه ل تقولها
ف أجابته
_معرفش ، بس الموقف الل إنت عملته معايا ميتنسيش
ولولاك كان زمان حاجه وحشه حصلت معايا ،اغتصبنى مثلاً أو قتلنى
وانت عملت دا بدافع الجدعنه وعشان كنت لوحدى
وجه دلوقت دورى سبحان الله ، تكون لوحدك ومغترب وعندك مرض لعين
ويكون فايدى مساعدتك
_وازاى مخوفتيش منى ؟
ضحك بسخرية وقال
_انا أصحابي والبنات الل كنت مصاحبهم خافوا منى ،خافوا حتى يتصلوا بيا تليفونيا!
وإنت ِ،مفيش اى صلة بينى وبينك
بالعكس …خناق ومشاكل وزعيق من يوم م اتقابلنا
ومع ذلك وقفتِ جمبي فالوقت الل إتهيأت فيه للموت !
لم تستطع هبة أن تنظر إليه ، ف أعطته ظهرها وتحدثت
_وانا كمان ،لما جه الولد الشمّام دا كنت لوحدى
وممعيش حد ،ومحدش أصلا بيسأل فيّا أو بيسأل عنى
وكنت على وشك الموت ،وانت جيت
أدارت له ظهرها وقالت بعبثيه وخفه وهى تبتسم
_واحدة ب واحدة يابيت هوفن !
إبتسم بيجاد ،ف دنت منه تحقنه بالابرة بينما هو كان ينظر ناحية عيناها بعمق
احست هى برعشه تسرى ب عروقها ،تمالكت نفسها
وحملت أشياء ها وهمت بالرحيل فاوقفها هو
_دكتورة هبة
_نعم
_مًتشكر …وآسف
ابتسمت له ورحلت …
خلعت كل اشياءها الوقائية عندما هبطت ، وإثر اغتسالها بالماء الدافئ
كانت تفكر بنظرة عيناه كثيراً ،وبكلماته الاخيرة الرقيقه لها
هل تحرك الفؤاد ؟! أم أنها مجرداشياء رقيقه تعطى للقلب لمسه لاحياؤه مرة أخرى
ومن ثم رقوده مرة ثانية ؟
أما عنه ،لما احتلت تفكيره هكذا ؟
هى فقط فتاة عادية تؤدى دور إنسانى منها فقط؟!حتى الكلمات الرقيقة ليس ب استطاعتها قولها
ملابسها لست ب أحدث صيحة ، لا تتجمل ولاتضع أى شىء من مساحيق التجميل ..
ولكنها بدأت تحتل تفكيره … بدأت تحتل جزء كبير من يومه
سوى بوجودها أو غيابها.
يود أن يشكرها انها منحته الحياة مرة أخرى ، أعادت له روحه فى وقت قد تخلى عنه البعض
فى وقت روحه شعرت فيه بوحدتها حقاً وأن كل من حوله تجمع كاذب ينفض مع أول موقف قوى !
وكانت هى ..
ملاك الرحمة ، ملاك لطيف لا يريد شئ …يتعامل ب انسانية
لم تخف العدوى أو الموت ،وقفت بشجاعة بجانبه
ودق قلبه لأجلها !!
هل حقاً حدث ذلك؟ أى أنه من بين كل هذه الفتيات …والصديقات
وبعمره خمسه وثلاثون عاماً ، لم يستطع قلبه ان يدق لواحده
ودق لها !
عجيب أنت أيها القلب …ليس لك حسابات او مواعيد
تدق على حسب من يفهم دقاتك ..ومن يحتوى نبضاتك
فهنيئاً لمن يظفر بك حقا ويبقى بك للأبد …،
#نور_إسماعيل
__
جلست هبة إلى اقرب مقعد بالصيدلية مُتعبه للغاية ،فلاحظت ذلك ياسمين
ف أقتربت منها وهى تقول
_هبة ، شكلك تعبان أوى وكأن بقالك سنه منمتيش
هزت هبة رأسها بالايجاب ، ف قالت لها ياسمين
_يييي ،إيه الل مش بينيمك تانى مش قولتِ جارك سكت وبقا اهدى
تبسمت هبة وتذكرت شيئاً حدث بالماضى..
*عودة للماضى*
_إحنا بقينا نخبط ونرقع ف وقت الحظر أهو وبيمشوا بدرى من سكات وانا بشرب اللبن وبغسل سنانى وانام
فيه حاجه مطلوبة منى تانى يا دكتورة ؟!
تبسمت هبة ورفعت نظارتها الى أنفها وقالت له وهى تنظر لأعلى لمستوى عينيه
_المفروض الجيران بتقول مساء الخير .. صباح الخير لما يتقابلوا
عقد بيجاد ذراعيه وقال مبتهجاً
_مساء الفل يا دكتورة
_مساء الخير يا استاذ بيجاد
_ايه رأيك ماشيين حسب التعليمات اهو
ضحكت هبة واخفت ضحكتها وقالت له
_انا اصلا بعد اخر موقف منك معايا ،ماليش عين اقولك علو صوتكم او وطوه
ضحك بيجاد بشدة وأردف إليها
_بصّى الل حصل آخر مرة منى دا ،دا المفروض يتعمل
وكويس انى كنت فالوقت دا فالشقه
انتبهت هبة ورفرفت ب أهدابها عدة مرات وقالت وهى تشير بسبابتها
_تصدق يا استاذ بيجاد ، ربنا بيسبب الأسباب ..يعنى مقدر ان الولد الشمام دا ارفض اديله الدوا من غير روشته
ويصمم وييجى يتهجم على شقتى وإنت تكون ساكن فوقى
عشان تسمع وتيجى تنقذنى ،لان لولاك مكانش حد سمعنى
الشقه الل قصادى فيها راجل عجوز ومراته ودول سمعهم تقيل وحركتهم اتقل الله يكون فعونهم
وتحت فيه ست وولادها عايشين ودى أكيد مش هيجيلها الشجاعة تطلع تشوف الصوت من إيه
مفيش غيرك ..سبحان الله
حكّ بيجاد بطرف إصبعه ب طرف مكان شاربه علامة على النصر وقال ساخراً
_اهو وجودنا طلع له لزمه يا ست الكل مش بتوع طبلة ورق زى م قولتِ
نظرت له هبة ب امتعاض وقالت
_ست الكل !
_ايه مالها ست الكل ؟
_شايفنى والدتك ..انا اطلع اصغرمنك ييجى بعشر سنين وبتقولى ست الكل!
ضحك بيجاد بشدة وقال لها
_انا مبقولش ست الكل يعنى والدتى ،تقديرا لسيادتك عشان حضرتك بتتهمينى أنى معنديش شياكة او لباقه او حداقه
ضحكت هبة وهمت بالصعود مستأذنه منه ،فقال هو لها إثرصعودها
_بصى انا فهمت حاجه …فيه حجات بتتقدر من عند ربنا منعرفش ليه بس هى لمصلحتنا أكيد
ليلتك حلوة ياست الكل
تركها ورحل وعادت هى من ذكرياتها فقالت لها ياسمين
_لااااا اقطع دراعى دا حب جديد ،فيه إيه ياهبه ايه السرحان دا كله
تصنعت هبة التأفف ونهضت تمسك بدفتر ما وهى تقول لها
_يوووه يا ياسمين ،هو إنت مش وراكِ أى حاجه غيرى …يلا فيه جرد وورانا شغل كتير
وضعت ياسمين يدها الى وجنتها وقالت لها
_بس انتِ شكلك مرهق أوى ،خليها بعدين
_لاء دلوقت ،يالا انا جاهزة
_يالاهوى عليكِ دينمو متحرك يخربيتك
#نور_إسماعيل
___
فى هذا اليوم عادت هبة متعبة كثيراً فلم تستطع الصعود إلى بيجاد لتطمئن لحاله
بينما هو هاتفها تليفونياً واخبرها ب أنه قد أتى إليه كريم صديقه وذهبا إلى أقرب مشفى
وقام بعمل التحليلات ليطمئن إلى حاله .
وبالفعل كانت النتائج مطمئنه وأنه فى طريقه للشفاء التام وكانت هذه من المفاجآت لأن الموجة الأولى ل فيروس كورونا الجديد كانت قوية ونسبة الشفاء منها ضعيفه جداً
ولكن بإرادة الله ثم بقوة عزيمته ووقوف هبة بجانبه تعدى مرحلة الخطر …وفالقريب العاجل سيشفى منها تماماً.
__
حتى أتى اليوم وطرق الباب لها ، وحينما فتحت كان هو بمقابل الباب لها
_انا أول م قدرت اتحرك عادى واتأكدت من التعافى من الكورونا الحمد لله جيتلك ،اولاً عشان لو كل الشكر فالدنيا مش هيوفيكِ ..تانى حاجه عشان اعزمك تسمعى الخبط والرقع بصورة أوضح وتطلعى تعيشي أحلى ٤ساعات من الصداع ب أول تدريبات لينا بعد م ربنا نجانى واتعافيت من الوباء ..إيه رأيك؟
ابتسمت هبه له ابتسامة عريضة ووضعت وشاحها وصعدت معه ، جلست ونظرت لأجواء غرفته واضح جداً ب أنها تم غسلها بالماء والصابون جيداً وتمت تهويتها ..
كل واحد من فرقته أمسك ب ألته الموسيقية ، ومع العد التنازلي ..
بدأوا …
شوق مين ده اللي هيروح
وأنا مستني بابي مفتوح
فيه قلوب بتلاقي قلوب
بس أكيد غير لقى الروح
شوق مين ده اللي هيروح
وأنا مستني بابي مفتوح
فيه قلوب بتلاقي قلوب
بس أكيد غير لقى الروح
حبنا ده اللي عشناه مين فينا يستجرى ينساه
مش سهل ولا عادي ولا مسموح
حبنا ما بينا موجود ولا له آخر ولا حدود
فيه حاجات ليه تتقال شوف عيوني مفضوح
كانت تهتز هبة ب أرجلها مع الألحان ، وتقوم بطرقعه اصابعها انسجاماً معهم …كان يردد بيجاد كلمات الاغنية وعيناه مصوبتان لها ،كانت تلحظ هى هذا وتقوم ب إشاحة نظرها بعيدا عنه
مضى وقت جميل ، اقترب وقت الحظر ..همّوا بجلب اشياءهم ليرحلوا
بينما تهم هبة بالرحيل
أمسك بيجاد يدها وقال لها ب صوت خفيض وعينان ساحرتان
_استعدى عشان بكرة انتِ معزومة ف اكل شيبسي وبيبسي فالشارع معايا قبل ميعاد الحظر
أوك ؟
_مش هينفع وو
تلعثمت هبة فقاطعهاهو
_مناسب ع ٤بعد الضهر ،اه مناسب …تمام كدا
يلا على شقتك
ابتسمت هبة وهبطت تختبئ بعيناها عنه ،وحينما هبطت
انطرحت بظهرها إلى فراشها ونظرت إلى سقف غرفتها قائله
_فيه قلوب بتنادى قلوب …بس أكيد غير لقا الروح